Friday, October 2, 2015

بعض التأثيرات النفسية على سلوك المستثمرين في سوق الأسهم

د. علي بن صديق الحكمي

فيما يلي بعض التأثيرات النفسية على سلوك المستثمرين في أسواق الأسهم، وهي ملخص لبعض الأبحاث في مجال الاقتصاد السلوكيBehavioral Economics وعلم نفس الأحكام واتخاذ القرار The Psychology of Judgment and Decision Making.

1.    حماس المضاربين وسوء التوقيت
تعليقاً على التقلبات الحادة التي حدثت في أسواق الأسهم العالمية مؤخراً، وعزو كثير من المحللين والمستثمرين ذلك إلى التباطؤ في الاقتصاد الصيني، يؤكد عالم الاقتصاد روبرت شيلر Robert Shiller الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ومؤلف كتاب Irrational Exuberance، أن طبيعة الإنسان والعوامل النفسية هي ما يفسر ما يحدث في سوق الأسهم وليس الصين.  فهو يرى أن فقاعة المضاربةSpeculative Bubble ترتفع بناءً على "حماس المضاربين" وتفاؤلهم المفرط، وعندما تساورهم الشكوك حول المستقبل، يبدأون بالتفكير في البيع، ولكنهم يفتقدون للوضوح حول التوقيت المناسب للقيام بذلك.  وعندما يشاهدون انخفاض في السوق، يتخوفون من أن الآخرين قد تكون لديهم نفس الشكوك كذلك، فيدخلون في سباق معهم: من الذي يبيع أولاً.  ولذلك فالهبوط الحاد لأسواق الأسهم قد يحدث بصورة سريعة جداً.  كما يشير شيلر إلى أنه حتى المستثمرين الأذكياء كانوا يشترون أثناء الفقاعة المضاربية بأسعار عالية دون اعطاء الاهتمام الكافي للأخطار الممكنة.
2.    تأثير العاطفة
تؤثر العوامل العاطفية (حبنا أو كراهيتنا أو تخوفنا من شيء معين) على القرارات التي نتخذها في مختلف المجالات وعلى إدراكنا للمخاطر والمنافع من الخيارات المختلفة.  ففي دراسة للحكمي (1991) والحكمي وسلوفيك (1994) وجد أن العوامل العاطفية تؤثر بشكل مباشر على تقديرنا للأخطار والمنافع، حيث توجد علاقة عكسية بين إدراك المخاطر وإدراك المنافع، فعندما ننظر إلى خيار معين على أنه مرتفع المنافع، فإننا ننزع للتقليل من أخطارة، والعكس صحيح.  ولا يعود هذا لأسباب عقلانية تعتمد على البيانات والمعطيات، بل تلعب العاطفة دوراً كبيراً في ذلك.  فعندما نحب أو نفضل أحد الخيارات، نميل إلى التقليل من أخطاره ومضارة وهكذا. بل أن تقديم معلومات إيجابية عن خيار ما (مثل ما يعمله المضاربون أثنا تحليلاتهم لأسهم معينة، أو أسلوب معين للتداول)  يؤثر على تفضيلات الناس وتقديرهم للمخاطر.  وقد قام بعض  الباحثين بتطبيق النظريات التي تربط بين العاطفة وإدراك المخاطر والمنافع إلى التعاملات في سوق الأسهم، ووجد بالفعل أن التفضيلات العاطفية تؤثر على قرارات الشراء والبيع بعيداً عن الأساسيات.  ومن هنا، فإنه وبالرغم من اعتقاد الكثيرين أن نشاط سوق الأسهم هو عقلاني ومنطقي وقائم على التحليل، إلا أن الأبحاث الحديثة في مجال الاقتصاد السلوكي تشير إلى عدم صحة ذلك وإلى التأثير الكبير للعواطف والإنفعالات على ذلك.
3.    الثقة المفرطة
في العالم المثالي، ووفقاً للنماذج المعيارية في اتخاذ القرار، فإن مستوى ثقتنا في صواب أحكامنا وقراراتنا يجب أن تتطابق تماماً مع صواب تلك القرار والأحكام في الواقع.  فإذا كنا، على سبيل المثال، قد أجبنا على 40 سؤال بشكل صحيح من أصل 50 سؤالاً عرضت علينا، فإن معنى ذلك مستوى ثقتنا في صحة أحكامنا يجب أن يكون 80%.  ولكن إذا كان مستوى ثقتناً أعلى من نسبة إجاباتنا الصحيحة، فإن ذلك يدل على أن لدينا ثقة مفرطة في صحة أحكامنا، والعكس صحيح.   وقد وجدت الأبحاث أن ظاهرة الثقة المفرطة في الأحكام الاحتمالية موجودة بالفعل في مختلف الثقافات حول العالم وإن كانت تتفاوت في درجتها عبر الثقافات (قام كاتب هذه الورقة بتطبيق دراسة عن الثقة المفرطة على عينة من الطلاب الجامعيين في المملكة ووجد أن ظاهرة الثقة المفرطة موجودة أيضاً، الحكمي 1421هـ).
وجدير بالذكر أيضاً، أن الثقة المفرطة وجدت حتى لدى الخبراء في مجالات شتى (اقتصادية وهندسية، وطبية، وعلمية وإدارية وسياسية وغيرها)، ففي بعض الدراسات وجد أن المهندسين يقعون ضحية للثقة المفرطة في تقديراتهم لمتطلبات مشروع إنشائي أو المدة الزمنية التي يمكن أن ينجز فيها.
وفي أسواق الأسهم، تؤثر الثقة المفرطة على تقديرات المستثمرين والمحللين (أفراداً ومؤسسات) وعلى قراراتهم أو توصياتهم للبيع والشراء نتيجة لذلك.  فهم يبالغون في اعتقادهم أن لديهم القدرة على قراءة المعطيات والبيانات الاقتصادية وغيرها وتوظيفها بشكل فعال في أحكامهم، بينما في الواقع ونظراً لأنهم يتعاملون مع درجات عالية من حالة عدم اليقين (Uncertainty) فإن ذلك يحد من دقة تنبؤاتهم المستقبلية.  وعلى الرغم من أن حالة عدم التأكد تؤثر في أحكامنا الاحتمالية (ومنها تنبؤاتنا بأسعار الأسهم) بدرجة أو أخرى، إلا أن مستوى ثقتنا في تلك الأحكام لا يأخذ ذلك في الحسبان.
4.    الذاكرة والعمليات العقلية
تشير الأبحاث في مجال علم النفس المعرفي إلى تأثر العمليات العقلية لدى الإنسان (كالإدراك، والانتباه والذاكرة، والاستدلال والاستنتاج وغيرها من عمليات التفكير بمستوياتها المختلفة) بنطاق واسع من الأخطاء والتحيزات،Errors and Biases، لخصها نيزبت وروس   Nisbett and Ross 1980 في كتابهما الكلاسيكي عن أوجه القصور والتحيزات في الاستدلال والتفكير.   ومن أهم العمليات التي تؤدي لأخطاء في التفكير الانتباه الاختياريSelective attention والذي يحدث عندما نواجه كماً متعدداً من المعلومات وننتبه لجزء منها ونتجاهل أجزاء أخرى قد تكون أكثر أهمية.  وهذا يعود، بشكل رئيس، إلى محدودية قدرة الإنسان على التعامل مع تلك المعلومات، والاستفادة منها للوصول لاستنتاجات صحيحة.  وهذا ما يحصل في أسواق المال، فالمعلومات ذات مصادر متعددة، وأصبحت مع وسائل الاتصال الحديثة تصل بسرعة لا يمكن التعامل معها بشكل كامل، فيتم الانتباه لبعضها، وقد يكون أقل أهمية، وتجاهل المعلومات الأخرى، مما يؤدي لأحكام خاطئة ومتحيزة.
ويعتبر تحيز الإثبات Confirmation bias من أهم التحيزات التي تقود أحكامنا وقراراتنا للخطأ، حيث ينزع الإنسان للبحث عن المعلومات التي تؤكد وتثبت أفكاره المسبقة، وفي نفس الوقت يتجاهل المعلومات التي تناقضها. ويلاحظ هذا التحيز في سلوك المتعاملين في الأسواق المالية بما فيهم المحللين والخبراء، فهم ينزعون في الغالب للبحث عن المعلومات التي تؤكد أفكارهم المسبقة وتؤيد توجهاتهم سواء في منتديات الأسهم، أو شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، بينما يتجنبون المصادر التي قد تتعارض معها.  وينطبق هذا أيضاً على متابعة قنوات تلفزيونية أو محللين معينين.
ومن العوامل النفسية ذات العلاقة بالعمليات العقلية المؤثرة على القرارات وإدراك الأخطار (ومنها بالطبع تلك المتعلقة بسوق الأسهم)، ما أطلق عليه كانيمان وتفرسكي اسم استراتيجية الإتاحة، The Availability Heuristic، وهي تعني أن الأحداث البارزة في حياتنا يسهل استدعاءها من الذاكرة وخاصة في السياقات ذات العلاقة، وبالتالي فهي تؤثر على أحكامنا وقراراتنا حتى لو كانت احتمالات حدوثها ضعيفة جداً.  فأثناء متابعتنا لانخفاضات أسواق الأسهم، يتبادر للذهن مباشرة الانهيارات التي حصلت عامي 2003 و 2008، وذلك لأنها كانت انهيارات دراماتيكية وقاسية، وبالتالي فإن تذكرنا للك الأحداث بسهولة يعزز من توقعاتنا أن انهيارات مشابهة ستحدث لا محالة، بالرغم من اختلاف العوامل الاقتصادية والأساسيات الآن عنها في تلك الفترتين.  وبالتالي يحدث الهروب الجماعي من السوق بناءً على توقعات مستقبلية غير دقيقة اعتمدت على أحداث سابقة (الانهيارين) وتجاهلت المعلومات الحالية.

هذه بعض العوامل النفسية المؤثرة على سلوك المستثمر في سوق الأسهم، وهناك عوامل أخرى سيتم الحديث عنها مستقبلاً بمشيئة الله.

وقاية النشء من الوقوع في التطرف والإرهاب: نظرة نفسية وتربوية

د. علي بن صديق الحكمي


مع تزايد مشكلة وقوع النشء في براثن التطرف والإرهاب، يبرز دور الوقاية أساسياً لحمايته من الوقوع فيهما.  الوقاية التي تصمم برامجها وفق أسس علمية منتظمة وليست جهوداً مشتته لا توظف أساليب الإقناع والتأثير والتنشئة الاجتماعية المناسبة ويشارك المجتمع جميعاً في تنفيذها.  وكما يقول المثل الإفريقي "تحتاج بلدة كاملة لتنشئة طفل واحد" فنحن نحتاج المجتمع مؤسسات وأفراداً للعمل وفق توجه واحد لوقاية النشء من الانحراف والتطرف.

إن فهم الأساليب التي يستخدمها المتطرفون لتغيير اتجاهات النشء واستقطابهم مدخل مهم لتصميم برامج الوقاية ولمساعدتنا للتعامل الفعال معها.  وسأقدم فيما يلي ملخصاً لبعض تلك الأساليب والشعارات وكيف يمكننا التعامل معها:


تعيش لهدف سامٍ، والآخرون يلهون
هذه الإستراتيجية تستهدف الفراغ الذي يعيشه بعض النشء بعدم وجود أهداف لحياتهم يسعون لتحقيقها.  هنا يكون من أهم أسس الوقاية تربية النشء ليكون له أهدافاً في الحياة يكرس جميع جهوده وتفكيره وطاقته من أجلها.  فمن لديه هدف وتعلم كيف يحققه سيستمر في طريق ذلك، أما من يعيش بدون هدف فهذا يسهل اختطافه لتحقيق أهداف الآخرين والتضحية بحياته "وحياة الآخرين" ثمناً لذلك.


أنت غضبان، إذاً انتقم:
يستخدم المتطرفون أسلوب إثارة روح الغضب لدى النشء حول مختلف جوانب حياتهم وحياة مجتمعهم ودفع صاحبها للانتقام. ونستطيع كمربين وقاية النشء من ذلك بأن نعلمهم أن يفرقوا بين الغضب والسلوك الذي قد ينتج عنه، فمن الطبيعي أن يغضب الإنسان، ولكن ليس من الطبيعي أن ينتقم بنفسه، أو أن يسمح لمشاعر الغضب أن تتحول لكراهية تمنعه من التمييز بين الصواب والخطأ.  إن تربية النشء على التحكم في الغضب وإتاحة الفرص لهم لتحويله لقوة إيجابية تدفعهم للعمل والانتاج هو من أهم المسؤوليات التي يجب أن تتصدى لها الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي.


نحن وهم:
التصنيف أحد أهم الوسائل التي يستخدمها المتطرفون لاستقطاب النشء لأفكارهم أو جماعاتهم، وهذا يعتمد على وجود حاجة نفسية أساسية لدى جميع الناس: الحاجة للانتماء. وتستغل هذه الحاجة عند بعض الشباب، فيوفرها لهم المتطرفون، فيصبح الشاب منتمٍ لكيان، له أفكاره وأهدافه الواضحة، كيان يشعر أتباعه أنهم "أفضل وأكمل وأنقى" من الآخرين، وأن الآخرين لا قيمة لحياتهم. وبالتالي، فهم لا يستحقون العيش ناهيك عن التعايش.  هنا تكون وقاية الشباب بغرس الانتماء لديهم لدينهم الحنيف ولوطنهم ومجتمعهم منذ مرحلة عمرية مبكرة، وتوفير مؤسسات مجتمعية تشبع لديهم هذه الحاجة مثل مراكز الأحياء والأندية التي تقدم أنشطة متنوعة وزيادة تماسك المجتمع المحلي والجيران.


اتبعني، معصوب العينين:
هذه استراتيجية أخرى مهمة يستخدمها المتطرفون، اتبعني أوصلك الطريق الصحيح لتحقيق "أهدافك"، ليس هناك داعٍ، أيها الشاب، لأن تفكر باستقلالية فنحن نفكر نيابة عنك. وبالتالي طمس التفرد والاستقلالية لديه وجعله يتحرك وفقاً لما يريدون. في هذه الحالة، تتحقق الوقاية بتربية ليكون مستقلاً في تفكيره يقدر عواقب أفعاله على نفسه وعلى الآخرين. إن البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية التي تشجع التساؤل ولا تكبته، وتدعم الحوار الحقيقي، هي التي يخرج منها جيل يسير في دروب الحياة بثقة ومسؤولية وشخصية وتفكير مستقلين.


نمهد لك السبيل لتصبح بطلا:
يتطلع النشء عادة لأن يكونوا أبطالاً يشار لهم بالبنان. ويستغل المتطرفون هذه الحاجة عندما يشعرون الشاب بأنه هو أيضاً يمكن أن يكون بطلاً عن طريقهم وفقاً لمفهوهم المنحرف للبطولة. وللوقاية من استغلال ذلك، فإننا بحاجة إلى "تحرير" مفهوم البطولة عند الشباب وإقناعهم أن محورها الأساس هو عمل الخير ونبذ الشر، وأنها لا تتحقق بالقتل وإلحاق الضرر.  إن من الضروري أن نعلم أطفالنا وشبابنا أن نصرة الدين لا تكون بالهدم والقتل والإرهاب، وإنما تكون بالعلم والعمل والبناء والمحافظة على الوطن قوياً ومتماسكاً وآمناً، وإتاحة الفرص لهم لأن يكونوا أبطالاً حقيقيين من خلال توفير مشاريع إنتاجية تتيح لهم إظهار طاقاتهم الكامنة وتحتفي بإنجازاتهم.

التنمر

التنمر

هل لاحظت تغيراً مفاجئاً في موقف ابنك أو بنتك من المدرسة؟ هل كان يستيقظ باكراً مليئاً بالنشاط و الحماس للذهاب إلى المدرسة ثم تحول فجأة إلى كاره لها متظاهر بالتمارض حتى لا يذهب إليها؟ هناك احتمال أنه تعرض للمضايقة من قبل من هو أقوى منه جسدياً أو تأثيراً اجتماعياً أو سيطرة. لقد أطلعت شخصياً في إحدى المدارس على حالة أحد الطلاب، كان متفوقاً في جميع المجالات، وفجأة انحدر مستواه التحصيلي، وأصبح منطوياً كثير الغياب والتأخر، كانت حالته محيرة – بالفعل – لمعلميه ولإدارة المدرسة ولأسرته، لكن المرشد الطلابي وحده في المدرسة هو الذي استطاع أن يتعرف على أسباب المشكلة: الطالب تعرض لضغوطات من بعض زملائه الطلاب حيث كانوا يريدونه مسايرتهم في بعض السلوكات الخاطئة، ووصل بهم الأمر لحد التهديد بتلفيق تهم تسيء إلى سمعته, هذا الطالب لم يأت من أسرة منفتحة على أبنائها، تشاركهم في مشاعرهم، وتتعرف على مشكلاتهم، وتتابعهم في جميع شؤونهم، كان هناك تباعد نفسي بين أفراد الأسرة، كل منهم كان يعيش في عالمه الخاص رغم أنهم يعيشون تحت سقف واحد. كان علاج مشكلة هذا الطالب سهلاً للغاية بعد التعرف على أسبابها. تعاملت المدرسة بشكل حازم مع من كان يضايقه وعادت أموره طبيعية واستطاع الاستمرار في مسيرة التفوق والتميز
سواء كان ذلك بالتحرش اللفظي، أو الاعتداء الجسدي، أو الإكراه أو التهديد، أو في أي شكل آخر يعتبر التنمر Bullying أحد أكثر المشكلات انتشاراً في المدارس وأشدها خطورة، ولم يقابل انتشارها أو خطورتها تدخل فاعل، أو حتى محاولة للفهم من الجهات التعليمية في الكثير من دول العالم.
هناك قصور كبير في أساليبنا التربوية سواء على مستوى المنزل أو المدرسة بحيث تسمح هذه الأساليب لمشكلة التنمر بأن تقضي على براءة الطفولة وتحولها إلى رحلة عذاب، فالتعليم لا يركز على إكساب الطالب المهارات الاجتماعية التي تجعله قادراً على التعامل مع الضغوط والتهديد والبحث عن المساعدة عند ما يحتاجها، والكثير من الأسر تفتقد التواصل مع أبنائها وبناتها بشكل جيد، بل قد لا يتواصلون معهم على الإطلاق للتعرف على حاجاتهم ومشكلاتهم، والمعلم قد انحصر دوره في تلقين الطالب " محتوى " المقرر الدراسي، ولا يتعدى ذلك إلى مساعدة الطالب في التعامل مع مشكلاته، و مدير المدرسة لا يبني جسوراً مع طلابه تشجعهم على التواصل معه حول أي سلوك خاطئ في المدرسة ولا يسعى لوقاية طلابه من التعرض للإيذاء أو التهديد بعدم التهاون مع أي مؤشر يدل على احتمال وجود شيء من ذلك في المدرسة.
باختصار شديد نستطيع أن نقول : إننا بصفتنا تربويين والأسر والمجتمع بشكل عام نحن جميعاً مقصرون في فهم هذه المشكلة و التعامل معها بفاعلية.

في مسألة الطفل: كلنا مقصرون

في مسألة الطفل: كلنا مقصرون

خمس أطفال السعودية يتعرضون لاعتداءات بأشكال مختلفة!!! وخلال العام الماضي "وحده" استقبلت صحة جدة "وحدها" 82 حالة اعتداء وتحرش جنسي ضد أطفال ذكور، وكانت نسبة الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال من قبل السائقون والخدم مابين 27 إلى50%.

هذه الإحصاءات التي قدمت في ورشة العنف الأسري المقامة بمستشفى الحرس الوطني بجدة ونشر تقرير عنها في صحيفة الوطن في 8/2/1427هـ مخيفة رغم أنها لا تقدم الصورة الحقيقية للواقع. الكثير من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها من قبل الأسرة بسبب الخوف من المساءلة أو الفضيحة أو غيرها. أو لأسباب أخرى تطرقت إليها الندوة مثل بطء الإجراءات في المحاكم وما قد تمثله إجراءات الشرطة من إعاقة لبعض الحالات وتأخير إسعاف بعض منها.
والمؤلم كذلك أن إيذاء الطفل يمتد إلى المدرسة ، المؤسسة التي يفترض أنها تدار من قبل تربويين يحرصون على عدم تعرض الطفل لأدنى إيذاء يمس شخصيته ناهيك عن أن يكون هذا الإيذاء في محيط المؤسسة التي يديرونها.
حماية الأطفال من الإعتداء وإساءة المعاملة مسؤولية مشتركة بين أطراف عدة يأتي في مقدمتها الأسرة والمدرسة والمؤسسات الصحية والأمنية والقضائية والإعلامية. آن الآوان أن نعترف بوجود هذه المشكلة في مجتمعنا والتعامل معها بكل حزم وجرأة ووضع القوانين والأنظمة التي تكفل التعامل مع من يعتدي على الطفل جسدياً أو نفسياً بكل حزم وسرعة.
الأسرة بالتحديد يمكن أن تؤدي دوراً وقائيا كبيرا إذا تم التوجه لها ببرامج تهدف إلى تعريفها بالعوامل التي تؤدي إلى إيذاء الأطفال ومؤشرات تعرضهم للإيذاء الجسدي والجنسي وكيفية الوقاية من ذلك. إن معرفة الطفل بالحدود الطبيعية للعلاقة مع الآخرين والمؤشرات على تجاوز تلك الحدود أمر في غاية الأهمية. إفتراض أن الطفل يعرف ذلك بالفطرة خطأ جسيم، فالكثير من حالات الاعتداء على الطفل تستغل جهله وضعفه وعدم قدرته على إدراك تحرشات الآخرين وطبيعتها.
إن بناء علاقات قوية مع أبنائنا وبناتنا تسمح لهم بالحديث معنا عن آمالهم وتطلعاتهم ومشكلاتهم ومخاوفهم بانفتاح وطمأنينة هو السبيل لوقايتهم من التعرض للتحرش أو الاعتداء. كما أن تعليم الأطفال كيفية طلب المساعدة ومن أين يحصلون عليها وإتاحة وسائل مساعدة لهم سوف تسهم في الحد من هذه المشكلة.