Tuesday, May 20, 2008

ما قال لا

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا الشهادة كانت لاؤه نعم

هذا البيت الذي قاله الفرزدق مادحاً للإمام زين العابدين بن علي رحمه الله يقع في إطار المبالغة ولا شك، إذ أن عدم قول "لا" قد يكون في أحيان مناسباً كما أن قول "لا" في أحيان أخرى هو عين الصواب. تأمل معي، قارئي الكريم هذه المواقف

ذلك المراهق الذي تقدم له سيجارة لأول مرة في حياته من صديق يعز عليه ولا يحب مخالفته أو يطلب منه زملاؤه مسايرتهم في عمل خاطئ، ولا يستطيع أن يقول "لا"، هنا تكون "لا" هي السلوك الصحيح، وتكون عواقب عدم القدرة على قولها وخيمة على ذلك المراهق ومجتمعه

موقف ذلك الرجل الذي ارتبط بموعد عمل هام أو مهمة يجب عليه إنجازها في وقت محدد، يدعوه صديق لمناسبة في نفس الوقت، لا يستطيع أن يرد الدعوة ولذلك لا يقول "لا"، ثم يتصل عليه صديق آخر ويشعره بأنه قريب من المنزل ويرغب في رؤيته وتناول الشاي عنده، يوافقه، وينتهي به الأمر إلى الارتباط بأكثر من موعد في نفس الوقت وقد لا يفي بأي منها

طفلك الصغير يبكي بشدة، يضرب بيديه ورجليه الأرض – وقد يكون لك أو لأمه نصيب من ضرباته- يصر على الحصول على شيء معين، لا تستطيع أن تقول له "لا" مع يقينك أن هذا الشيء يضره، ولأنك تحبه وتعرف أثر "لا" على نفسه تعطيه ما يريد!! يتعلم،، أنه ..!! "عندما يخالفه الآخر ويقول له "لا" ،، أن يستخدم نفس الأسلوب وقد "يضرب" أو "يحطم" من يقول له "لا

منعك الطبيب من أكل المواد السكرية والحلويات، لا تستطيع أن تقول لنفسك "لا" عندما تأمرك بتناول الكثير منها، يسبب لك هذا المتاعب، وربما المصائب، تتمنى مستقبلاً لو أنك قلت لنفسك "لا"،، هذا طبعاً إذا كان ثمة "مستقبل" لك في هذه الدنيا

من المهم جداً أن نتعلم متى نقول "لا" ومتى لا نقول "لا"، أن نتعلم لمن نقول "لا" وكيف نقول "لا" وهل الأصلح في موقف ما أن نقول لا" أم لا؟"

إننا كثيراً ما نجد أنفسنا أمام مواقف يصعب علينا فيها أن نقول "لا" لأننا لا نريد أن نجرح مشاعر الآخرين ولأننا نخشى فقدان العلاقة معهم إذا خالفنا رغباتهم. إن علاقة مثل هذه تعتمد على مسايرتنا للآخرين وعدم مخالفتنا لهم هي،بلا شك، علاقة هشة للغاية

نشعر في أحيان أخرى أن قول "لا" قد يؤذي مشاعر الآخرين وهنا نتصرف كأننا مسئولين –بدون مبرر- عن مشاعرهم وكأن سعادتهم متوقفة على مسايرتنا لهم. قد نفكر: أن الآخرين قد يعتقدون أننا أناس سيؤون وأنانيون إذ خالفناهم، وكأن المسايرة المستمرة لهم هي الوسيلة الوحيدة لكي نحافظ على صورة إيجابية لنا في أذهانهم

اهتم علماء النفس كثيراً بموضوع "كيف تقول لا" لأن الكثير من الناس لا يستطيعون قولها في كثير من المواقف التي يجب أن يقولوها فيها، مما يسبب لهم احراجاً كصاحبنا الذي يرتبط بأكثر من موعد في نفس الوقت، أو هلاكاً كذلك المراهق الذي قبل السيجارة الأولى، أو ترحم الآخرين عليه كذلك الذي جَبُن ولم يستطع مقاومة إغراء كعكةجُبْن

والنصائح التي يقدمها علماء النفس لكي يصبح المرء قادراً على أن يقول "لا" هي في مجملها تتعلق بالتفكير وأسلوب صناعة القرار، إذ أن على المرء أن يفكر في العواقب قبل أن يقول "نعم"، وأن يزن الإيجابيات والسلبيات لأي قرار يتخذه بعيداً عن العواطف أو التحيزات "الشخصية، فالتلقائية في الاستجابة وعدم إعطاء النفس فرصة للتفكير قد تجعل الإنسان يقول "نعم" وهو في الحقيقة يريد أن يقول "لا

إن "نعم" و "لا" يجب أن يكونا دائماً أمامنا على منصة الاختيار عند اتخاذ القرار، نختار منها ما يناسب الموقف والسياق والمصلحة، يجب أن نبتعد في مثل هذا الموقف عن عواطفنا وتفضيلاتنا الشخصية ونقدم دائماً الرؤية الموضوعية المتوازنة

إن على الإنسان أن يكون واثقاً من نفسه ذا سلوك توكيدي وألا يتردد في قول "لا" إذا كانت هي الاستجابة العقلانية فالتردد يسهل من مسايرة الإنسان للآخرين في مواقف يجب عليه أن يخالفهم

إن قول "لا" قد تكون له آثاراً جانبية لا يحبذها الإنسان، كغضب صديق له، ولابد من تحمل هذه النتيجة لقول "لا" وتعويد النفس على ذلك، فالإنسان لا يستطيع أن يقول "نعم" دائماً وإلى الأبد، ولا بد أن يقول يوماً ما "لا"، ولذلك فإن مواجهة آثار "لا" مبكراً تقوي من قدرة الإنسان على قولها حينما تكون الحاجة إلى قولها حتمية

إن تعلم مهارات التعامل مع الآخرين ومهارات الإنصات والتحدث ومهارات التعامل مع ضغوط الحياة تزيد من قدرة الإنسان على قول "لا" وقبول آثارها، كما أن تدرب الإنسان على ما سيقوله والأسلوب الذي سيتبعه في الموقف الضاغط قبل الدخول فيه يزيد من قدرته على اتخاذ القرار الصحيح

وختاماً، لاتنس قارئي العزيز، أن تتبسم وأنت تقول "لا"، أن تقولها بأسلوب يجعلك تحضى باحترام الآخرين وتعاطفهم حتى ولو خالفتهم أولم تسايرهم في ما هم فيه. وتذكر أن من المقبول جداً أن تقول "نعم" مجاملة حتى لو كنت لا تفضل ذلك، إذا لم يكن لها آثار سلبية، وأن التنازل عن الرأي قد يكون محمدة للإنسان، وأن قبول الرأي الآخر وتغيير القناعات الشخصية لا يقلل من شخصية الإنسان واحترامه لذاته، فالحق دائماً أحق أن يتبع

الطفل الاستهلاكي

الطفل الاستهلاكي

د. علي بن صديق الحكمي

كنت أتسوق مع ابني الصغير ذي الخمسة أعوام عندما توقف أمام نوع معين من رقائق الذرة وطلب أن نشتريها. قلت له أن لدينا نوعاً آخر في البيت أجاب "يا بابا في التلفزيون قالوا لنا أشتروا هذا النوع" تفاجأت حقيقة من إجابته فهو بلاشك يخلط بين الدعاية والواقع ويعتقد أن الخطاب في الإعلانات التلفزيونية موجه إليه شخصياً وأنه يجب أن ينفذه. هذا ما يهدف إليه القائمون على تصميم تلك الإعلانات التي تزداد تشويقاً وتأثيراً يوماً بعد يوم بالاعتماد على دراسات نفسيه عميقه تكشف جوانب الضعف في شخصية الإنسان وخاصة الطفل وكيفية الإيحاء له للقيام بسلوك غير عقلاني مثل الشراهة في الأكل أو التسوق أو حتى العنف. التغافل عن التعامل مع مشكلة الإندفاع نحو الاستهلاك والشراء دون ضابط، له آثاره الاقتصادية والإجتماعية والصحية السلبية. والمؤسسات التربوية عليها دور كبير في مقاومة السلوك الاستهلاكي غير السوي الناتج عن تسلط وسائل الإعلام بقوتها وقدرتها على التغلغل والتأثير. عندما نركز في تربيتنا على مهارات ضبط النفس، والتفكير في عواقب السلوك وتحديد المنافع والمضار منه، واتخاذ القرار الراشد. وعندما ندرب الطفل على المهارات الاجتماعية التي تؤهله لكي يصبح شخصاً مستقلاً في تفكيره قادراً على الاختيار، سيكون بمقدوره التعامل مع الكم الكبير من الإعلانات التي تهدف إلى توجيه سلوكه دون وعي منه.
مسؤولية المؤسسات التربوية لابد أن يقابلها أيضاً تحمل المؤسسات الإعلامية لمسؤلياتها الاجتماعية، وأخلاقيات المهنة، فالخط الفاصل بين المعلومات الصحيحة والمضللة، والحقيقة والخيال، دقيق جداً ومالم تعِ تلك المؤسسات العواقب السلبية لممارساتها الدعائية المخالفة لأخلاقيات المهنة، والالتزام بها، سيكون نجاح التربية ومؤسساتها في مواجهة الترسانة الإعلامية صعب جداً، ولكنه ليس مستحيلاً.