شخصيات مزدوجة
في حياتنا اليومية يرتدي البعض أقنعة مزيفة تخفي وراءها شخصياتهم الحقيقية. ويكون هذا بسلوكيات أو أقوال أو مظاهر تتشكل بالبيئة المحيطة بها دون توفر قناعات وقيم تعتمد عليها، وعند التحول لمحيط آخر تجد شخصيات أخرى مختلفة تماماً.
قد تكون التربية التي تعرض لها هؤلاء في مراحل مبكرة من حياتهم سواءً في البيت أو المدرسة مسؤولة عن ذلك!! فالكثير من ممارساتنا التربوية تشجع أبناءنا أوطلابنا أن تكون لهم شخصيات مزدوجة، فنحن قد نركز على جوانب ظاهرية من الشخصية يتعلق معظمها بالشكل والتصرفات العامة ونغفل أساسيات مثل الصدق والأمانة والرقابة الذاتية هي لب شخصية الإنسان وقيمته الحقيقية. كما نرسم صورة مثالية مبالغ فيها لما يجب أن يكون عليه أبناءنا أوطلابنا ولا تأخذ هذه الصورة في الحسبان طبيعة مرحلة الطفولة والمراهقة وحاجاتها ونزواتها ثم نعمل جاهدين على أن يكونوا وفق تلك الصورة، برقابة مباشرة أو غير مباشرة. ونتعامل مع الطفل أو المراهق بصرامة لكي يتوافق مع ما رسمناه له بل ولا نتسامح مع الأخطاء الصغيرة التي قد تصدر منه.
بهذا الأسلوب يتربى الطفل على نفاق هو الأساس لشخصيات مضطربة تفكر دائماً كيف ينظر الآخرون لها وتحاول أن تظهر بالمظهر المقبول اجتماعياً بينما حقيقتها مختلفة عن ذلك.
مهم جداً أن نربي أنفسنا وأبناءنا وطلابنا تربية تؤدي إلى شخصيات أصلية تتمتع بقيم راسخة واتجاهات سليمة وأخلاق فاضلة حتى لو كانت فيها بعض العيوب لأن من الممكن تلافيها يوماً ما، وليست شخصيات يصبح النفاق فيها أسلوب حياة لا يمكن التخلص منه أبداً.
أحد الآباء تعلمت منه درسا تربوياً ثميناً، قال في معرض حديثه عن إبنه المراهق: أنا أعرف أن إبني مراهق ولديه نزوات، ولكني دائماً أقول له كن على سجيتك معي، لا تظهر امامي بمظهر وفي غيابي بمظهر آخر. يقول أيضاً: ربيته على أن لا تكون له شخصيتان مزدوجتان أو عدة شخصيات، واعتقد أنني أجني نتائج هذا الأسلوب استقامة في فكره وسلوكه فقد أحس بالأمان وأصبحت رقابته ذاتية وليست خارجية.
د.علي بن صديق الحكمي
نشرت في مجلة بريد المعلم يونيو 2009